إن الرق ليس مجرد صفة قديمة كانت توجد لدى إحدى المجتمعات ثم اندثرت، بل إنه ظاهرة اجتماعية وتاريخية مرت بها جميع الحضارات والثقافات والدول في كافة العصور التاريخية تقريبًا، ليس في الماضي فقط، بل في الحاضر كذلك؛ فعلى الرغم من تطور الوعي بالحقوق الإنسانية، واعتراف المنظمات الدولية بها، والسعي لنشرها، فلا تزال هناك بعض الفئات التي تتم معاملتها كعبيد، ليس بصورة مباشرة كما في الماضي، ولكن بالعديد من الصور المقنعة التي لا تختلف في جوهرها عن تلك الصورة القديمة الوحشية والفجة.
بالنظر إلى التاريخ الإنساني سيبدو صادمًا أن ندرك أن فكرة الرق والعبودية قد نشأت في الأصل لدى الإنسان المتحضر وليس الإنسان البدائي، وعلى الرغم من الوحشية التي كان يتسم بها البدائيُّون؛ حيث كانوا يقتلون، ثم يأكلون الضعفاء منهم، كالشيوخ والمرضى، وأحيانًا النساء والأطفال؛ لأنها أفواه جائعة ستكلفها عبء الغذاء، كما أنَّها لن تستطيع المشاركة في الصيد وجلب الطعام، إلا أنَّهم - في الوقت نفسه - كانوا يعيشون في جماعات متساوية، تتعاون مع بعضها البعض لتحقيق الهدف الرئيسي وهو الحصول على الغذاء.
وقد كانت حين تتعرض لهجوم من غريب عن جماعاتها، لا تفكر في استعباده أو استرقاقه، بل إنها تقوم بقتله وأكله، لكن مع تطور مهاراتها في الصيد وصُنع الشباك والأفخاخ للحيوانات، توفر لها الغذاء بسهولة، ولم تعد بحاجة - بالتَّالي - لأكل لحوم البشر الغرباء؛ لذا فقد أصبحت تفكر - حين يقع عدو أو غريب في قبضتها - أن تستفيد منه بطرق أخرى بخلاف قتله وأكله، وهو ما كان يشكل انعتاقًا حينها بالنسبة له؛ حيث الأسر والعيش في مكانة أدنى هو أفضل بكثير من الموت مقتولا.
وكلما اتخذت حياة الإنسان منحى أكثر تطورًا، كلما تغير النظام الاجتماعي الذي يعيش فيه بما يلائم ذلك التغير؛ لذا فحينما ظهرت الزراعة، التي جعلت الإنسان يستقر في أرض واحدة بدلا من حياة التنقل وراء الفرائس لأجل الصيد، بدأت معها الملكية في الظهور أيضًا، بدءًا من الأرض التي استقر بها، ومن ثم البيت الذي صنعه ليحمي نفسه ويبقى قريبًا من أرضه، ثم أسرته التي سيقوم بتكوينها .. إلخ من مظاهر الملكية التي استمرت في الظهور والاتساع إلى أن شملت ملكية الإنسان كذلك.
وقد كانت الحروب أكثر الأسباب التي ساعدت على انتشار فكرة الملكية للإنسان والاستفادة من عبوديته؛ فقد أصبحت الجيوش تكتفي بقتل الرؤساء والزعماء، بينما تقوم بأسر البقية الباقية للاستفادة من قوتهم البدنية أو مزاياهم الفكرية؛ حيث يستخدمونهم في بناء المدن وتخصيب الأراضي والارتفاع بمستوى الحضارة نتيجة تبادل الثقافات، إلى الحد الذي جعل الحصول على الأسرى سببًا أساسيًا لشن الحروب والهجمات، بعد أن كان يتم اعتبارها إحدى غنائم الحرب الزائدة.
حين بدأت الفلسفة اليونانية القديمة في الظهور، كان الرق حينها قد مر بمراحل عديدة، كما أنَّه قد بدأ يأخذ وضعًا ثابتًا في النظام الاجتماعي، بل واحتل طبقة قائمة بذاتها كذلك، ولا شك أنَّها كانت الطبقة الأدنى في السلم الاجتماعي، ومن البديهي، أن الفلسفة التي تهتم بالنظر إلى كافة الأشياء من حولها وتفسيرها ومن ثم وضع قواعد لها، كانت تنظر إلى الرق وتبدأ في تحليله ودراسته وطرح الأسئلة الكثيرة حوله، وقد قامت كل من المدرسة الأفلاطونية والمدرسة الكلبية والمدرسة الرواقية بتكوين وجهات نظر مختلفة حوله.
فقد كان (أفلاطون ) يرى أن الحرية أو العبودية تعتمد على العقل، فمن يمتلك عقلا ممتازًا فهو حر، أما البقية فعليهم أن يخضعوا لسلطته؛ لأنه - وحده - من يتمكن من أن يرشدهم ويهديهم بعقله، كما أنَّه قسم البشر إلى قسمين؛ يونان عاقلين، وبرابرة متوحشين، وهو ما يعني - وفقًا لقاعدته الأولى - أنَّ اليونان هم وحدهم الأحق بالحرية؛ لامتلاكهم العقل، بينما بقية البشر غير اليونانيين يجب أن يكونوا عبيد لديهم.
وقد وافق (أرسطو ) أستاذه فيما ذهب إليه فيما يخصُّ الرق؛ فقد كان هو أيضًا يرى أنه يجب التمييز بين اليونانيين وغير اليونانيين، ويعزو مثله هذا التمييز إلى الطبيعة التي جعلت أجسام اليونان مغايرة لأجسام البرابرة؛ إذ أعطت هؤلاء القوة الضرورية للقيام بالأعمال الغليظة والشاقة؛ فأصبحوا عبيدًا لا يصلحون إلا للطاعة، أما أجسام اليونان فهي غير صالحة لتلك الأعمال الشاقة، ويرى (أرسطو ) في الرق ضرورة اقتصادية؛ حيث يرى أن العبيد هم الأداة التي تتمكن من القيام بجميع الأعمال؛ فالآلة والأرض وغيرها من الأشياء لا يمكن أن تنتج من تلقاء نفسها إلا بواسطة سواعد هؤلاء العبيد.
أما المدرسة الكلبية فقد عارضت آراء كل من (أفلاطون ) و (أرسطو )؛ حيث رفضت الرق، ودعت إلى المساواة بين البشر جميعًا دون تفضيل أو تمييز، وهو ما ذهبت إليه أيضًا مدرسة فلسفية أخرى وهي المدرسة الرواقية؛ فقد رفضت آراء المدرسة الأفلاطونية التي تقول إن الطبيعة تجعل هناك من يولد حرًا وآخر يولد عبدًا؛ فقد كانت ترى أنَّ قانون الطبيعة هو أنَّ الإنسان - أي إنسان - يولد حرًا، بينما ذلك القانون الذي وضعته المدرسة الأفلاطونية هو قانون المدينة الظالم، والغريب أنَّه حين غزا الرومان بلاد اليونان، وأصبح اليونانيُّون عبيدًا لهم، تحول الجميع للتمسك بالفلسفة الرواقية التي تعمل على تخفيف آلام المستضعفين، ومنحهم الأمان، وتسعى للدفاع عن الإنسان وحقوقه بعيدًا عن جنسيته وصفاته.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان